“العلمانية المزيّفة” لـ: جون بوبيرو

توطئة

عندما يكتب المتخصص في ميدانه تدرك الفرق بين الكاتب المحترف والكاتب الهاوي، ذلك ما يمكن الوقوف عنده من خلال كتاب (العلمانية المزيفة) الذي يحمل عنوانا يثير الكثير من التساؤلات قبل قراءة المحتويات، أولها إيحاؤه بحكم قيمة يصادر على المطلوب مما قد يذهب بالمغترين بالعناوين مذاهب شتى، إلى درجة أن البعض قد يعزو الأمر إلى الترجمة إلى أن يتأكد أنها من الإحكام بما كان، وأن الأمر مقصود من الكاتب نفسه، وقد أجاب عن الاعتراض على وصف العلمانية بالمزيفة معتبرا إياه حكم قيمة وغير علمي وفي نفس الوقت هو وسم علمي وليس حكم قيمة، فالكتاب موجه ليكون أداة لمن أراد من النساء والرجال في صفوف اليسار، استعادة العلمانية، ولأن المؤلف قام بمعاينة سوسيوتاريخية لتزييف مزدوج:

الأول: هو ادعاء البعض الانتساب إلى علمانية بلا نعت، والحال أن الأمر يتعلق بعلمانية جديدة.

ويتمثل التزيف الثاني: في ادعاء الوفاء لروح قانون 1905م.[1]

ومن لم يقتنع بكلام المؤلف، فعند قراءة الكتاب يزول اللبس ويرتفع الإشكال، فالكاتب منافح قوي عن العلمانية بطريقة مرنة وبأسلوب منفتح يؤسس لنقاط التلاقي والتفاكر.

(العلمانية المزيفة) إذن، كتاب من تأليف جون بوبيرو، عالم اجتماع ومؤرخ فرنسي، ومدرس لعلم الأديان، ومؤسس علم اجتماع العلمانية، ساهم في صياغة الإعلان الدولي حول العلمانية، وكان مستشارا سياسيا للرئيس الفرنسي السابق فرنسوا ميتران، كتب عددا كبيرا من الدارسات حول العلمانية.

يقع الكتاب في 208 صفحة من القطع المتوسط، ترجمه د.عبد الله المتوكل وراجعة د. محمد الحاج سالم، من منشورات مركز نهوض للدراسات والأبحاث، الطبعة الأولى 2020م.

سياق تأليف الكتاب

نستشف سياق تأليف الكتاب من كثير من المعطيات الواردة في مضامينه ومن التأمل في مجريات الأحداث بعد الربيع العربي، حيث نلحظ بشكل جلي تراجعات صارخة في مجال الحريات وحقوق الإنسان وتحول كثير من المقولات والتصورات إلى عقائد جامدة وأطروحات مغلقة، مما ولد حركة نقدية تصحيحية من كثير من المثقفين والمفكرين الذي رأوا أن العديد من السياسيين وصناع القرار قد اختطفوا كل من العلمانية والديمقراطية، ونجحوا إلى حد كبير في تزييف الحقائق وقلب المفاهيم.

وعليه، فالمؤلَّف يندرج ضمن الجدل المحتدم حول العلمانية التي تعد من أكثر الموضوعات حضورا في الأوساط العلمية والاهتمامات الثقافية والإعلامية.

موضوع العلمانية موضوع يثير الكثير من الإشكالات والأسئلة الحارقة والتي تتشابك بشأنها مرجعيات مختلفة ورؤى متضاربة، ومن ثم فالكتاب إضافة نوعية لأنه يتقدم بالحوار خطوات مهمة إلى الأمام، وهو أيضا إثراء للمكتبة العربية في أفق تخصيب الأفكار وتحريك بعض التمثلات الراكدة,

أطروحة الكتاب

تضمن الكتاب أطروحة واضحة المعالم لا نحتاج إلى تكلف في بيانها، وهي مرافعة قوية واستدلال ذو نفس طويل على الفرق بين علمانية تاريخية تضمن الحقوق والمساواة بين جميع المواطنين، والمتسمة بالحياد  في مجال معتقدات الناس واختياراتهم، وعلمانية جديدة مزيفة تلاعبت بمبادئ العلمانية التاريخية، وإن ادعت الانتساب إليها. وهي علمانية متبناة من طرف اليمين المتصلب، الذي يسعى إلى علمنة المجتمع قسرا، موظفا أساليب غير مشروعة مشوبة بتزييف الحقائق وتلبيس للمعطيات، وتحويل العلمانية إلى عقائدية مغلقة،  لهذا يعبر العديد من العلمانيين سواء كانوا من اليسار أو من اليمين أو من الجمهوريين، عن ارتباك كبير، ويطالبون بتوضيحات حول:

ما الذي يحصل للعلمانية؟ ما الانحرافات التي أنتجت الوضع الراهن؟ كيف نستعيد المبادرة؟[2]

هدف الكتاب:

بعد أن حدد المؤلف الإشكال الذي سيشتبك معه بين أهداف الكتاب والمتمثلة في:

أولا: تشخيص التوظيف الحالي للعلمانية وتحليله.

ثانيا: تقديم مقترحات من أجل إعادة بناء دينامية علمانية, وفي الحالتين سيسعى هذا الكتاب إلى تقديم عناصر معرفة مبسطة، تكون أدوات تفكر وعمل.[3]

ويزيد الأمر إيضاحا عندما يرى أنه من الضروري لمواجهة أفكار نمطية جامدة واعتقادات خاطئة حول تاريخ فرنسا القيام بتوضيح الاختلافات البنيوية بين علمانية الاتحاد من أجل حركة شعبية مصطبغة باللوبينية (نسبة إلى مارين لوبين) وبين العلمانية التاريخية. ولهذا الغرض جاء الكتاب هذا الذي استعان فيه بالمعرفة العلمية التي اكتسبها -كما يقول- من قراءة العديد من الأعمال، وبأبحاثه الخاصة التاريخية والسوسيولوجية، من أجل كشف هذا الانحراف. إنه كتاب يهدف إلى مساعدة النساء والرجال ممن لديهم حدس واقتناع بأن العلمانية قد زيفت، ومساعدتهم على فهم لماذا وكيف ينبغي محاربة (سائقي العلمانية المتهورين) الذين يريدون الاستمرار في سياقتهم الخطيرة دون محاسبة.[4]

محتويات الكتاب

انتظمت عناصر الأطروحة في : مقدمة وثمانية فصول وملاحق.

تناول المؤلف في الفصل الأول: كون العلمانية قناعا لليمين المتطرف.

في هذا الفصل يرصد جون بوبيرو أن العلمانية توظف في الحملات الانتخابية كقناع، وهو صنيع  زعيمة حزب الجبهة الوطنية (ماريين لوبين) عندما وضفت بطريقة ذكية صلاة المسلمين في الشوارع، وانتقت بدهاء المصطلحات المجيشة للمشاعر، معتبرة تلك الممارسات حكما للقانون الديني في شوارع فرنسا.[5]

وكيف نجحت هذه الزعيمة فعليا، في احتلال الحقل الإعلامي حول موضوعة العلمانية، وفي إنتاج معتقدات اجتماعية خاطئة، استفادت منها كركيزة ومرقى.[6]

وبالفعل اختزل النقاش عدة أسابيع، في السؤال الآتي: ألا يتعين باسم العلمانية، إدانة الصوات ي الشارع؟[7]

يرصد أيضا دور وسائل الإعلام في تضخيم القضية والتهويل من شأنها، وأن الحدث وجّه في المنحي الذي تريده (مارين لوبين).

” ولا أحد، بما في ذلك اليمين المتطرف مسؤول، بطريقة مباشرة، عن هذا التقدير المغالي والرهيب لعدد أماكن الصلاة في الشارع، لأنه لا أحد يغامر بإعطاء أرقام خاطئة مثل هذه. فمارين لوبين تعرف ممارسة لعبة البلياردو؛ فهي ليست فجة فحسب، بل وأفلحت أيضا في صنع معتقدات تتجاوز ما قالته( فهي عندما طرحت لأول مرة هذا الموضوع للنقاش، صرحت بأن عدد هذه الشوارع التي تستعمل للصلاة يتراوح بين عشرة أو خمسة عشر، لكن ما تمخض عن هذا التصريح من ردود فعل ومن اهتمام، رفع عدد هذه الشوارع إلى 185، وبكل تأكيد فإن هذا النجاح ليس من صنعها هي فقط، وإنما أيضا بفعل النقاش الإعلامي.[8]

هذه الممارسات كلها يَصمُها المؤلف بأنها مخالفة لقانون 1905 وإن ادعت الارتباط به، وهو ما يسميه العلمانية الجديدة في مقابل العلمانية التاريخية.

في الفصل الثاني : علمانية حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية واصمة للمسلمين،  يواصل المؤلف بيان الاستغلال الانتخابوي لاستعداء المسلمين وجعلهم أكباش فداء لتهريب الإخفاقات والتعمية عن مشاكل المجتمع الحقيقية، ويستدل بكلام لكبير أحبار فرنسا (جيل برهايم gilles berheim ) عندما قال : عندما يجد مجتمع ما نفسه في حاجة إلى أكباش فداء، فذلك دليل على اشتداد علته).[9]

ويلفت الانتباه إلى أمر مهم له دلالة قوية، ويتعلق بتهريب النقاش حول العلمانية خارج الهيئات العلمية المختصة، والتي استنكرت النقاشات التي انطلقت حول الإسلام والعلمانية، والتي توظف وتضخم مخاوف المواطنين.[10]

كما ذكر تصريح محرري بيان الهيئات العلمية، الذي جاء فيه بأن الانتهاكات الخطيرة لمبادئ العلمانية هي نتيجة لما تعرضت له من تشويهات وخروقات متتالية، منذ سنين عديدة، وللانتهاكات التي طالت الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وعلى الأحزاب الجمهورية تحمل مسؤولياتها”[11]

وهذا من التحديات المعاصرة المعقدة، إذ نجد أن مناقشة القضايا المصيرية يتولاها ويتصدر شأنها الذين ينطلقون من مصالح ضيقة وآنية، ويقاربونها بعيدا عن الطرح العلمي والمعالجة الهادئة؛ فحين يخفت صوت الهيئات العلمية ولا يسمع، وهذا حال نقاش القضايا الهامة في أغلب دول العالم الثالث، فإن المآل هو  احتراب إديولوجي تعلو فيه الأصوات والشعارات على حساب الأدلة والحجج.

ويرتبط بذلك وقوف المؤلف عند فبركة نقاشات،  في حين أن نتائجها قد أُعدت  سلفا خدمة لأجندات معينة.[12]

تحت عنوان (علمانية قمعية مفصولة عن الحرية الدينية) يقول: إن حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية يرتكب خطأين كبيرين: اختزال حرية الضمير في مجرد الحرية الدينية، واستبعادها من العلمانية. وهذه التزويرات الضرورية في منظور هذا الحزب، حاضرة في الجدالات الدائرة حاليا حول العلمانية، وهي تلوثها.

إنه فن اللعب بالكلمات، فالإشارة إلى الحرية الدينية تسمح بطمأنة الكاثوليك بأن العلمانية القمعية موجهة ضد نوع من الإسلام وليس ضدهم.”[13]

في نفس السياق أيضا يذكر نماذج للتزوير والقراءة المغرضة لبعض الوقائع والأحداث، من ذلك قضية بعض الاختيارات في اللباس” فالأمر يتعلق عادة، في الخطاب الاجتماعي المهيمن، بنساء مسلمات يرفضن، أو يرفض أزواجهن، خلع ملابسهن لكي يفحصهن أطباء ذكور، لكن عندما أجرى بعض علماء الاجتماع بحثا مطولا في خمس مستشفيات توصف بالحساسة، تبين أن المسألة ضئيلة الأهمية. بالمقابل، فإن الجميع يعرف إلى أي حد يسهم التقليل في عدد مناصب الشغل والسياسة العامة المتبعة في قطاع الصحة في تدهور المستشفيات العمومية، فالعلمانية تستخدم إذن كشرك لصرف الأنظار عن المشاكل الخطيرة”[14].

أما عندما تناقض العلمانية الجديدة حقوق الإنسان فذلك ما يميز العلمانية الجديدة (الثقافية والهوياتية) عن العلمانية التاريخية، أي: العلمانية السياسية والديمقراطية. ” وها نحن نرى للعجب أن مبادئ الدولة العلمانية متناقضة مع مبادئ المساواة والحرية”[15]

تمثل إذن العلمانية الفرنسية حالة من العلمانية الصارمة والشامة : فهي، ولأسباب تاريخية، تكاد تصبح نقيضها الفكري وتكاد تتحول إلى ( دين جديد) يبسط هيمنته على الفضاء العمومي، وشيئا فشيئا تصبح ذلك المقدس، الذي أرادت القضاء عليه ونفيه إلى مكانه الطبيعي بين الفرد والوجود (مقدس) له كهنته وطقوسه ومؤمنوه، وله كذلك الخارجون عن صراطه…فماذا يتبقى من الحرية والعلمانية، عندما تقدم الدولة على اقتحام منطقة الاختيارات الفردية، وفرض مقاساتها وتفاصيلها في اللباس والتغذية والجسد؟

ما تفعله الدولة في هذه الحالات ليس سوى الوجه المقابل لما يمكن أن تفعله في جغرافيا بعيدة، شرطة الآداب العامة في مجتمع متخلف تنمحي فيه الخصوصيات الفردية أمام الشمولية الأخلاقية للدولة الدينية.[16]

في الفصل الثالث يناقش المؤلف العلمانية والديمقراطية

فيرى امتزاج علمانيتان في الواقع الملموس، فإذا كانت علمانية حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية، المطبوعة بصبغة لوبينية ( نسبة إلى مارين لوبين) لا تبدو للأذهان دوما، كما هي في قسوتها وتناقضاتها مع مبادئ العلمانية، وإذا كانت تحتج بقيم تناقضها، فذلك لأن العلمانية التاريخية ما زالت تؤثر في أحكام القضاء وفي جزء من الثقافة، وبالتالي تتعايش المظاهر القمعية لـ( العلمانية الجديدة) مع بعض مظاهر العلمانية التاريخية التي يسهل التلاؤم معها. وهذا ما يمكن للإسلام من جهة أخرى، أن يستفيد منه.[17]

هاهنا يطرح جون بوبيرو إشكالا جديرا بالتأمل، والذي يمكن أن يوجه إلى قانون 1905 الذي اتخذه منطلقا ومرجعية، ويتعلق الأمر بقوله إن العلمانية تعني أيضا لا وجود لنظام أنتروبولوجي ثابت، وإن من مسؤولية المجتمع السياسي أن يقرر في كل حقبة، اختيارات انتربولوجية للعمل بها، والرد على أولئك الذين يخشون العلمانية المنفتحة على الأديان، هو رد سهل: ناضلوا أكثر من أجل حريات علمانية جديدة، حتى ولو كانت هذه المعركة تزعج بعض السلطات الدينية، لقد وصلنا اليوم إلى هذه المفارقة: تسمح إنكلترا، حيث توجد كنيسة رسمية، بالبحث في الخلايا الجذعية، وبالزواج بين شخصين من الجنس نفسه، وهو ما تسمح به فرنسا. ابحثوا عن مكمن الخطأ هنا”. [18]

وهذه مفارقة جديرة بالاهتمام؟ خصوصا من لدن الذين عندهم تصور حالم للعلمانية وأنها الحل السحري لكل المشاكل.

يحاول المؤلف أن يربط بين العلمانية التاريخية والديمقراطية: ذلك أن العلمانية التاريخية، هي المولدة دوما لما هو جوهري في التشريع العلماني…وإذا ما كانت العلمانية التشريعية تظل، بصفة أساسية، مرتبطة بالعلمانية التاريخية، فإن وسائل الإعلام تختزل في غالب الأحيان العلمانية في العلمانية الجديدة، كما أنها تخلط بين العلمانية (بما هي آلية تنظيم سياسي) وبين الدنيوة ( Sécularisation) (بما هي علاقة قائمة على الابتعاد عن المعايير الدينية) التي هي من عمل الدينامية الاجتماعية. وهذا الخلط يقوم به أيضا المجلس الأعلى للإدماج، الذي يريد، باسم العلمانية، فرض تصرفات مطابقة ( لمجتمع خضع لعملية دنيوة عميقة) وهو ما يجر العلمانية إلى الانزلاق إلى نظام سلطوي وضعيف ديمقراطيا”[19]

هذا المسلك في مناقشة العلمانية في علاقتها بالديمقراطية مفيد جدا في تقريب وجهات النظر بين جميع الأطياف والاتجاهات الفكرية، خصوصا الذين يطرحون العلمانية باعتبارها فلسفة للوجود والحياة وليس مجرد آلية تنظيم سياسي، لأن من شأن اعتبار العلمانية فلسفة للوجود والحياة ورؤية كلية للعالم أن يسقط في شوفينية مدمرة وعقائدية مغلقة تضفي على أفكار البشر قدسية وتحولها كما ذكر سابقا إلى كهنوت جديد.

في ترابط للأفكار واستمرارية للمرافعة يعرض المؤلف في الفصل الرابع لقضية مهمة، وهي: من علمانية سياسية إلى علمانية هوياتية، فيوجه نقدا للعلمانية الجديدة لتحريفها الإيديولوجي للتاريخ، ومن أمثلة ذلك طريقة تعامل ساركوزي مع التاريخ عندما ألقى خطابا في كاتدرائية لاتران  ( latran ) في روما (وصفه جون بوبيرو بالركيك)  ازدرى فيه بشدة الواقع التاريخي للعلمانية بغرض تنمية علمانية وضعية، وقد أتاح له النقاش حول العلمانية، الذي دعا إليه حزبه، فرصة إلقاء كلمة أخرى في كاتدرائية بوي أون فيلاي ( puy- en- velay) وقد حاول في هذه الكلمة، آخذا بعين الاعتبار ما أثاره خطابه في لاتران من انتقادات، أن لا يقف فحسب عند ( الجذور المسيحية للعلمانية) التي أشاد بها مرة أخرى، بل تحدث عن جذور يهودية، وميراث روما العتيقة، وميراث عصر الأنوار.[20]

“وبما أن الواجب الأول بالنسبة إلى نيكولا ساركوزي هو المحافظة على هذا الميراث ( وليس تجديده)، فإن العلمانية التي ينبغي فرضها على المسلمين، تتطلب أكثر من مجرد احترام القوانين العلمانية: إنها تطالب باستيعابهم داخل هوية موروثة، خالية من الصراع وبالتالي خيَاليّة تماما. وإنها لمهمة مستحيلة: إذ يمكن للمجلس الأعلى للإدماج أو لهيئات أخرى اقتراح عدة إجراءات واحدا إثر  آخر ( لاستهداف المسلمين ( المستبعدين على هذا النحو) وليس الدولة العلمانية ( كما كان عليه الأمر مع العلمانية التاريخية)، وبذلك يظهر المسلمون والإسلام دوما في حالة عجز عن استيعاب العلمانية. وهنا، فإن النتيجة غير المرغوبة، والتي لا مفر منها، هي أن تفسح هذه الرؤية للعلمانية أمام مارين لوبين، لتغدو بطلة العلمانية، ولا عزاء لرابطة حقوق الإنسان التي سبق (لفرانسوا باروان) أن أقصاها، ضمنيا، من العلمانية الجديدة”[21]

من المحطات المظلمة والمحرجة في تاريخ العلمانية ما يتعلق بالاستعمار، وذلك ما  تناوله المؤلف عند حديثه عن  الثقب الأسود في العلمانية: الاستعمار: إذ يهمل السرد التاريخي الذي صاغه المجلس الأعلى للإدماج، بطريقة مقصودة، علاقة العلمانية بالاستعمار إهمالا تاما، ومن الأمثلة الأشد حرجا حالة الجزائر بوصفها مختبرا للسياسة الاستعمارية الفرنسية، وقد عبر (جول فيري) عن ذلك بقوله: لقد عاينا هذه القبائل الباعثة على الشفقة، التي يكبتها الاستعمار وتسحقها مصادرة أراضيها ويطاردها ويفقرها النظام الغابوي، لقد بدا لنا أن شيئا ما يحدث في هذا البلد لا يشرف فرنسا، ولا يمت بصلة إلى العدالة الحقة أو إلى السياسة المتبصرة. لكن المطالب المشروعة التي عبر عنها جول فيري في تقريره فشلت أمام إصرار المستوطنين الفرنسيين الممثلين الحصريين للجزائر في البرلمان الفرنسي- الذين حالوا دون إحداث أي إصلاح لهذا النظام الاستعماري.[22]

يعود أصل كثير من أشكال الفهم المتعنتة السائدة اليوم إلى قانون الأهالي code) de (l’indigeant  القمعي والعنصري. الصادر عام 1881م، وهو عبارة عن مدون تشريعية وتنظيمية، وقمعية وتمييزية، تشرعن التمييز داخل المستعمرات الفرنسية، بين (التابع) و(المواطن).؛ فكون المرء مسلما في عرف هذا القانون، معناه: أنه تابع وليس مواطنا، وبالتالي فإن فرنسا العلمانية تضفي معنى (عرقيا) على مصطلح مسلم، وذلك حتى لا تكون ملزمة بمنح وضعية المواطن وصفته لمن يتحول من المسلمين إلى المسيحية.[23]

كذلك يرى المؤلف أن موضوع الهجرة من الموضوعات المحرجة للعلمانية ولا تقل سوادا وحلكة عن الاستعمار، من خلال رصد مجموعة من الاجراءات الإقصائية والأوصاف القدحية في حق المهاجرين، وهو ما يتنافى مع مبادئ العلمانية.[24] هذه الممارسات المشوهة ينطلق منها المؤلف لتصحيح المنطلقات التي أفرزتها، ويبين أنها لا تنتمي إلى العلمانية التاريخية، وإنما هي من إفرازات العلمانية الجديدة المنحرفة عن المسار التاريخي الحقيقي.

ولأن الحديث عن العلمانية يقود لا محالة إلى الحديث عن المساواة، فإن المؤلف تطرق للقضية في الفصل الخامس: العلمانيتان ( التاريخية والجديدة) ومسـألة المساواة بين الجنسين. في هذا الفصل معطيات عن أشكال التمييز التي لا تزال تتعرض لها المرأة في البيئات العلمية وفي المؤسسات العمومية، ومنها المؤسسة التشريعية نفسها وفي وسائل الإعلام، من إقصاء وتحرش وتقليص للحضور في الفضاء العام وعدم المساواة في الأجور.

ثم يلفت الانتباه إلى بعض الاختلالات التي يقع فيها بعض المدافعين عن العلاقة بين الجنسين، يقول: ينبغي على المرء ألا يؤاخذ غيره على نقص يعاني منه هو أيضا: فقد التقيت بالعديد من الماسونيين الذين يزعمون أنهم من أنصار المساواة بين الرجل والمرأة، يطالبون بشدة بالاختلاط بين الجنسين حين يتعلق الأمر بالإسلام، لكنهم يرفضون بصفة نهائية انضمام النساء إلى محافلهم، وقد شاركت مؤخرا في ندوة دعت إليها منظمة علمانية كبيرة، أثنى خلالها بعض المتدخلين على الاختلاط بين الجنسين، لكنني لا حظت، سواء في جلسات الصباح أو بعد الزوال، أن المتدخلين ومسيري الجلسات ورؤساءها، كانوا جميعهم من الرجال”[25]. ومن أكثر الوسائل مساهمة في تزييف العلمانية وسائل الإعلام وهو ما نجده في الفصل السادس من الكتاب: العلمانية من السياسي إلى الإعلامي ( الوحش الوديع).

تؤكد الأيام صحة مقولة قصف الإعلام للعقول والتلاعب بها، ذلك ما وقف عنده  أيضا جون بوبيرو حين يفكك  آليات اشتغال تلك الوسائل، فيقول: توجد، اليوم بطبيعة الحال، منظمات صحافية ومواقع إعلامية جيدة، منشغلة بأداء عمل متقن. غير أن المعركة الأساسية لا تدور حول النص بقدر ما تدور حول الأيقنة ( l’iconographie) ذلك أن الرهانات القوية تستند في أغلب الأحيان على الصورة التي تنتجها القناة التلفزيونية، والتي تشتغل بصفة خاصة، على الانفعالي المفبرك مسبقا. فالصورة التي تتكرر باستمرار هي التي تخلق الانفعال وتصنع الذاكرة. على أن الذاكرة تقوم على مبدأ انتقائي: فهي تحتفظ في المقام الأول بما يصدم وبما يبدو مصورا، وتميل إلى نسيان ما يستدعي العقلانية والتفكير”[26]

ومن ثم فإن علمانية الثقافة التلفزيونية تصنع واقعا خياليا، فما إن يتم نطق كلمة علمانية حتى تخطر على بال جل الناس، مباشرة صور قضايا مسجلة في ذاكرتهم بواسطة ( التكنو- رؤية) التي قدمها لهم التلفزيون… وبصفة عامة، فإن منع القيام بأبحاث حول الخلايا الجذعية، ومنع الزواج بين شخصين من الجنس نفسه، أو حق كل إنسان في الموت بالطريقة التي يراها حافظة لكرامته، لا تعتبر تلقائيا، مسا ( دائما) بالعلمانية, فالتلفزيون لا يتعامل معها بوصفها كذلك، وقد اعتاد الناس على هذا التفكير عبر التلفزيون، وعلى أن يجعلوا أدمغتهم مستعدة لاستقبال الشحن التلفويوني يوميا. وبالمقابل، فإن تأثير التضخيم الذي لاحظناه في موضوع الصلوات في الشارع، يستغل بطريقة شاملة، فكلما قلت إمكانية المرء في التنسيب اعتمادا على تجربته الشخصية، أو على مصادر معلومات خصوصية ( لكنها أكثر جدية) ازداد خضوعه لهذا التأثير التضخيمي. لذا، لا ينبغي أن نندهش فيما بعد، مما ينتج عن ذلك من نتائج وخيمة.[27] إن العلمانية الجديدة هي في المقام الأول نتيجة بناء تلفزيوني للعلمانية.[28]

وفي هذا الصدد يبين المؤلف الطرق الملتوية والمخاتلة الملتبسة في تعامل التلفزيون مع الموضوعات وكيفية توجيه الأفكار، وطريقة استدعاء الضيوف وآليات الاستدراج أو الاستبعاد أو التوريط. وهو منحى لا يسهم في المناقشة الجادة للقضايا وإنما تكون رغبته في توجيه الرأي العام في اتجاه رؤى وتصورات معدة سلفا ينبغي الوصول إليها.[29] ولذلك يستعير من (رفاييل يسيموني) مفهوم الوحش الوديع ليعبر عن خطورة ما تمارسه وسائل الإعلام.[30]

هذا الوحش الوديع ينبغي حسب المؤلف التعامل معه بمكر، لذا لا يجب الاعتقاد بإمكان العيش خارج منطقه، غير أنه ينبغي ألا ننخدع له، وألا نخضع له إلا في أقل القليل. وهو ما يسميه بالعلمانية الذاتية ( أي القدرة على الشك المنهجي وإدراك الأبعاد والكوامن وعدم الانجراف مع الضجة الإعلامية (buz) والتحلي بفكر نقدي في مواجهة خطاب وسائل الإعلام، في الوقت الذي نؤاخذ فيه الأصوليين، وغيرهم من المتشددين، بعدم تعاملهم بروح نقدية مع ديانتهم. ففقدان العقلانية يكمن هنا: المطابقة التي يتم إقرارها بين المنتوج التلفزيوني والواقع السياسي والاجتماعي، والاعتقاد السائد بأن التلفزيون يعكس الواقع”[31]

يشير المؤلف إلى أن أحد أسس العلمانية الجديدة كان هو البناء الإعلامي لقضية الحجاب الأولى، وقد وظفت لصنع إسلام متخيل… واستغلت من طرف وسائل الإعلام ضمن نظام شد انتباه الجمهور في إطار التنافس بين وسائل الإعلام للحصول على أعلى نسب مشاهدة…وفي السنوات الموالية، وبما أنه تبين أن قضية الحجاب هذه كانت ( ذات مردودية) كبيرة، فقد تم وضع مجموعة من الحوادث المتعلقة بالمسلمين في الواجهة وتحويلها إلى (قضايا)، مع أن آلاف الحوادث تحصل يوميا في الحياة الاجتماعية دون أن تغدو موضوع أي تغطية إعلامية. لكن بعد قضية الحجاب، أضحى كل ما يمس المسلمين من قريب أو بعيد، يحظى باهتمام إعلامي خاص جدا.[32]

 وعليه، فإن مواضيع الساعة كما تقدمها وسائل الإعلام أبعد ما تكون عن عكس ما يجري على أرض الواقع، لأنها تخضع لقوانين ( ما ينبغي رؤيته) أكثر من خضوعها لقوانين الواقع. وعلى المشاهد العادي أن يطرح أقل ما يمكن من الأسئلة حفاظا على توازن نسبة المشاهدة، فالبناء الإعلامي لـ( القضايا) يستهدف تحويلنا إلى ( حيوانات خائفة وكادحة) إلى حمائم وكلاب بافلوف، وإلى قطيع من الأغنام المطيعة. إنه هيمنة جديدة لا تطل على البشر من أعلى، بطريقة عمودية ومقدسة، بل تأخذ مكانها إلى جانب كل واحد منا لتحكمه.[33] إن العلمانية الجديدة هي في الوقت نفسه نتاج وصانعة انفعالات أو مشاعر سخط منمطة، مرتبطة بصناعة واقع خيالي تبسيطي.[34]

بعدما بدت الصورة قاتمة، ينتقل المؤلف ليقترح بعض البدائل الممكنة لمجابهة العلمانية الجديدة واستعادة مبادئ العلمانية التاريخية. ذلك ما تناوله في الفصل السابع: برنامج جمهوري لإعادة تأسيس العلمانية. ”يوجد اليوم، نوعان واضحان من أنصار العلمانية، يندرج الأول: في إطار تحيين، واع إلى حد ما، لثقافة علمانية تاريخية، أما الثاني فيتناسب ارتباطه المعلن بالعلمانية، مع عداء للإسلام والمهاجرين. ويبدو أن التمثل الثاني للعلمانية، الاختزالي والتضخيمي في الوقت ذاته، والذي أشاعته ثقافة الجماهير، هو الذي فرض بطريقة غالبة.[35]

لم يفلح اليسار في استيعاب القضية جيدا، بل يوجد في وضع غير مريح، لأنه يتأرجح أحيانا هو نفسه، بين هذين النمطين لتمثل العلمانية. وهو يظل بصفة عامة، مرتبطا بعناصر من الثقافة العلمانية التاريخية، لكنه خاضع أيضا جزئيا لتأثير البنيات الذهنية للوحش الوديع.[36]

شروط مجابهة تزييف العلمانية:

لأن الكتاب ليس مؤلَّفا تنظيريا جافا وجامدا، فإنه يتميز بأفق استشرافي عملي، لذلك يقترح المؤلف مجموعة من الشروط المساعدة على مجابهة تزييف العلمانية، منها:

  1. ربط المعرفة بالنقاش:

يرى المؤلف إجراء حوار حقيقي بين مختلف التصورات حول العلمانية، من دون أن يتخلى أي أحد كان عن قناعاته الخاصة. لكن الخطأ في اختيار الخصوم يصب في مصلحة الأعداء الحقيقين.[37]

  • أولوية فضح الهيمنات القوية والدائمة

لا يزال طمس المشاكل الحقيقية قائما إلى يومنا هذا، ففيما وراء أهازيج العلمانية الجديدة، يتم أحيانا تمجيد العلمانية والجمهورية بطريقة مغالية تكاد تكشف زيفها، فهما يستخدمان كقناعين لإخفاء تنازلات، ويتم مهاجمة الهامش بقدر ما يتم السكوت عن النواة المركزية.[38]

  • عدم الخلط بين العلمانية والدنيوة

يتيح الخلط بين مفهومي العلمانية والدنيوة ازدهار العلمانية الجديدة، و(مارين لوبين) واليمين المتصلب يلعبان على هذا الخلط… والفرق بينهما يتضح من خلال الرجوع إلى المعنيين لعبارة (الدين مسألة خاصة). فالعلمانية في معنى أول يقصد بها أن الدين ليس شأن الدولة، ولا مؤسسة عمومية أو سلطة يمكنها أن تقمع أو تعاقب، ولكل واحد أن يختار بنفسه ويرتبط بدين أو عقيدة كما يشاء. فالعلمانية هي الضامن للاختيار الإرادي الحر.[39]

أما التأكيد بالمقابل، على أن الدين لا يمكن أن يعاش إلا داخل الدائرة الخاصة بمعنى ( الدائرة الحميمية) ورفض حق الفرد في إظهار معتقده الديني في الفضاء العام، وإرادة تحييد هذا الفضاء وإخلائه من كل تعبيرة دينية، فهو خلط بين العلمانية والدنيوة: فالمرء دنيوي بمدى قربه أو بعده عن الدين، أو بقدر أخذه الدين أو تركه حسب العبارة الشعبية. إن العلمانية تدخل في مجال السياسة، وحتى عندما يكون للثقافة مكان فيها، فإن الأمر يتعلق بثقافة سياسية. أما الدنيوة، فتدخل في المجال الاجتماعي الثقافي، وهي مرتبطة بدينامية اجتماعية.[40]

فالعلمانية كما يرى المؤلف تتيح حرية الاختيار ولا تتدخل في قناعات الشخص، ولا تفرض شيئا يتعلق بالدين، طالما مورس بطريقة هادئة وفي كنف حقوق الغير، وعندما يتم فرض شيء ما فنحن أمام الدنيوة.[41]

ويحصل هذا عندما تكون علمانية مرنة قائمة على المساواة لجميع العائلات الفكرية، لا مندوحة في سبيل ازدهار المساواة الحقيقية، من محاربة أشكال التمييز المباشر وغير المباشر. وهذا أمر يتطلب نقاشا جادا حول التوافقات المعقولة التي تنكر لها حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية…ولقد أكسبت الهيمنة الحالية لـ( العلمانية الجديدة) معنى تحقيريا لعبارة ( التوافق المعقول) ذاتها، إذ ينظر إليها باعتبارها إطارا تزدهر فيه الطائفية والتعددية الثقافية، مع خلط بنوع من الخفة بين الأمرين.[42]

وما العلمانية التي لا تأخذ بعين الاعتبار التوافقات إلا مثل قانون مرور أخرق، يفرض على السائقين السير دوما بالسرعة نفسها دون مراعاة عرض الطريق وطبيعة التضاريس.[43]

يشير إلى توجيه منهجي مهم في الإفادة من التجارب الحضارية: فإذا كان التعدد الثقافي اللبرالي في كندا يسير على ما يرام ويشجع في آخر المطاف على الاندماج ( ذلك أن كندا تربط بين اللبرالية السياسية والتعدد الثقافي) فهذا لا يعني بالضرورة، أن على فرنسا محاكاة الإطار القانوني الكندي؛ بل العمل على الانخراط في مسار العلمانية الفرنسية التاريخية التي عرفت كيف تلطف متطلبات حياد الدولة بواسطة التوافقات المعقولة التي سمحت لكل واحد بممارسة حريته الدينية.[44]

وإذ لا ينبغي لأية عائلة فكرية أن تحظى برعاية رسمية، فإن لجميعها أن يستفيد، من حرية ملموسة متساوية. ومن جهة أخرى، فإن من مصلحة المجتمع، على المستوى الثقافي، أن توجد فيه تعبيرات ثقافية متعددة، ترتبط بمنطق آخر غير منطق القيم التجارية وتمييع المعنى.[45]

يرى المؤلف أن تجديد العلمانية الفرنسية سيكون مهما كذلك لضفتي البحر الأبيض المتوسط. فإثر الثورات العربية في عام 2011م، ظهر في العديد من الدول عهد جديد مليء بالتقلبات والوعود. ونحن نعرف أن من العوائق التي أمام دول علمانية هو المعنى الذي يعطى في غالب الأحيان لمصطلح علمانية في جنوب البحر المتوسط، إذا هو مرادف تقريبا لمصطلح إلحاد الدولة، وإذا كانت حقيقة العلمانية مختلفة بنيويا عن هذا المعنى، فإن بعض القرارات التي تتخذها العلمانية الجديدة تسعى إلى جعل الفضاء العام خاليا من التعبيرات الدينية، وهو ما يجعل تلك القرارات سببا في إحداث التباس في الأذهان.[46]

بنسبية في الطرح والبعد عن الوثوقية والإطلاقية يختم المؤلف هذا الفصل بقوله: على أن مختلف الاقتراحات المعروضة في هذا الفصل، ليست حصرية. وهي تريد أن تبين وجود آفاق متعددة لإعادة بناء العلمانية، وأن فرنسا غير محكوم عليها بالخضوع لعلمانية يزداد اصباغها بتوجه حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية ذي النزعة اللوبينية. فلندع ألف زهرة تتفتح، وليقدم كل منا مقترحاته ومبادراته، ولتمارس كل الشخصيات السياسية مسؤولياتها، وسنرى غدا أنه يمكن لهذه العلمانية الجديدة أن تغدو مجرد ذكرى سيئة.[47]

في الفصل الثامن والأخير يصل بنا الكاتب إلى علاقة الجهد الفردي بتجديد العلمانية وهو ما اصطلح عليه العلمانية الذاتية:

”تنتمي العلمانية إلى مجال السياسة، وهي بفضلها بين مختلف المعتقدات والدولة، وبوضعها لهذه الأخيرة في وضعية الحياد الذي يمنحها صفة التحكيم بين مختلف مكونات المجتمع، تستهدف السماح بحرية الضمير لكل واحد، وبالمساواة في الحقوق والواجبات للجميع أمام القانون. إنها شكل من الضبط السياسي، وطريقة لتدبير شؤون المجتمع الديمقراطي.[48]

إن السياسي والثقافي متمايزان، لكنهما يجدان نفسيهما مع ذلك متفاعلين في الواقع، والمجتمع الديمقراطي يكون في وضعية أفضل بقدر ما تدعمه ثقافة سياسية ديمقراطية. ولكي تمارس الديمقراطية بأقصى ما يمكن من تناغم، فإن ذلك لا يقتضي وجود قواعد ديمقراطية فحسب، بل يقتضي أيضا وجود مناضلين من أجل الديمقراطية. ويتعلق الأمر هنا، بالنسبة إلى المجتمعات التي تعيش تغيرا اجتماعيا متواصلا، بأولئك الذين يفكرون في التحولات، وفي المستجدات، كما يتعلق بأولئك الذين يجترحون أشكالا جديدة من الديمقراطية يتعين تعزيزها، ويلتزمون بالعمل من أجل ذلك.[49]

وهذا توجيه مهم يذكر بمسؤولية المثقف وأهمية القيادة الفكرية في تحقيق التغيير المنشود، ودور الوعي الثقافي في ضمان التطبيق الأمثل للأفكار والنظريات.

ويقتضي النضال تعميم الوعي لبناء تفكير جمعي حتى لا تبقى الأفكار نخبوية، ومن الناحية المثالية، كان على الجميع تقاسم هذه الروح الديمقراطية، وأن يكون الالتزام الديمقراطي في الوقت نفسه مسؤولية كل شخص. وبما أنه التزام طوعي، فهو بالتالي متقاسم بطريقة غير متساوية، حتى وإن كانت بعض الظروف يمكن أن تدفع كل مواطن إلى أن يصبح مناضلا في سبيل القيم الديمقراطية.[50]

يسعى المؤلف أيضا إلى جعل الدفاع عن العلمانية قضية جماعية من خلال المحايثة بين النضال الديمقراطي والنضال العلماني، ذلك أن الشعب الذي ينتظم ضمن مجتمع سياسي، يرتبط ارتباطا وثيقا بالناس، أي: بمجموع السكان المستهدفين بإرساء مؤسسات وممارسات سياسية، والذين يتعين عليهم التحرر من الطقوس الدينية وكل المظاهر التي يقوم بها الكهنوت.[51]

يحاول أن يزيل بعض اللبس الذي يعوق اعتبار العلمانية قضية الجميع، حيث يُعتقد في بعض الأحيان، عن خطأ، أن العلمانية وإن كانت قضية الجميع، إلا أن النضال العلماني لا يهم سوى الملحدين واللأدريين. وهذا هو الشائع تقريبا في الخطاب المشترك، فعبارات مثل أنا علماني حتى النخاع حتى إنني غير مُعمّد، أو إنه علماني لا يؤمن بأي شيء، هي عبارات شائعة، وتروج ضمنيا فكرة أنه بقدر ابتعاد المرء عن المعتقدات والشعائر الدينية، بقدر ما يكون علمانيا…يمكن للمناضل العلماني أن يكون مؤمنا أو غير مؤمن.[52]

العلمانية الذاتية:

يستعمل المؤلف العلمانية الذاتية للتعبير عن ذلك الجهد الفكري الذي ينبغي أن يقوم به الباحث أو المثقف أو المفكر للتخلص من الدوغمائيات والتسليم بالحقاق الجاهزة، وابتلاع المعطيات، إنها عملية تحرر وتربية بشكل مستمر وممتد. ” غير أن الرياضة الفكرية التي تقتضيها العلمانية الذاتية، تجد نفسها متناغمة مع شكلين من اللأدرية يختلف معناهما عن المعنى الاجتماعي السائد لهذا المصطلح، هما: اللأدرية المنهجية، من جهة أولى، واللأدرية ( النسبية لكن الضرورية) حول المواضيع التي لا يمكن أن يكون لنا رأي حاسم فيها.[53] وتدل عبارتا ( اللأدرية المنهجية) و (الحياد القيمي) على أن كل طريقة في المعرفة تقتضي الحرص ما أمكن على التخلي مؤقتا عن كل حكم قيمي.[54]

يؤكد جون بوبيرو أنه يرفض في غالب الأحيان الحديث عن قضايا لم يخضعها لـ( التفكير) فالتفكير يتطلب وقتا وجهدا وقدرة على خرق الأفكار النمطية الرائجة اجتماعيا حول المسألة المطروحة. والأمر لا يتعلق بملء فراغ معرفي، بقدر ما يتعلق بخرق معرفة زائفة، وفائض من الأفكار المتلقاة والخطابات المهيمنة المروجة عن طريق، من بين وسائل أخرى، كتب قابلة للتبادل، هي من منتوجات وسائل الاتصال الجماهيري، والتي نعتقد أنها تنسى بسرعة، لكنها تصوغ في الواقع العقول بشكل خطير.[55]

يختم المؤلف الكتاب بتوجيه منهجي ونصيحة للقراء  تحت عنوان ( لا داعرين ولا خانعين، كونوا هراطقة ومقاومين).

إن هذه الرياضة الفكرية، وهذا الجهد في مواجهة فائض اليقينيات التي يعج بها المجتمع، ولكي نكون قادرين على اكتساب المعرفة الحقة والعيش متسلحين بالشك، تسمح لنا أيضا بفهم الموضوعات التي لا تدخل في تخصصاتنا. ذلك أنه يوجد في مختلف ميادين الحياة الاجتماعية، تشابه واضح في البناء الاجتماعي للجهل والبلاهة.[56] وقد أوصله تفكيره الخاص في طرق إنتاج الجهل والبلاهة في مسألة العلمانية، امتلاك القدرة بنسبة كبيرة على فهم ما يقال في ميدان آخر أجهله.

وينصح القارئ قائلا: وأنت صديقي القارئ، لا تدّع أنك غير قادر على أن تتبع مثل هذا النهج. يريدون لك أن تصبح (عاهرة) إزاء المجتمع المهيمن: فيجعلونك أحيانا ساخطا بأمر منهم، ويجعلونك في أحيان أخرى، على عكس ذلك، منخرطا مع الآخرين في لامبالاة عامة. يريدون لك أن تكون خاضعا لأفكار نمطية محددة، مستبطنا ومروجا يوميا لأشد الأفكار ابتذالا.[57]

تضمن الكتاب أيضا ملاحق: تناول فيها جون بوبيرو جزءا من نضاله وأنشطته من قبيل خطابه أمام اللجنة البرلمانية المكلفة بمسألة النقاب، وقد قدم مرافعة قوية من منطلقات علمانية دفاعا عن حق المحجبات في اختيار نمط لباسهن. ومما جاء فيه: يعبر النقاب عن رفض جذري لما يبدو إفراطا في جنسنة المرأة مرتبط بوسائل الاتصال الجماهيري، وبتزايد تسليع المرأة في المجتمعات الحديثة.[58]

وجاء أيضا:  إن احترام الحرية الفردية هو أولوية لا يحدها سوى الإخلال البين بالنظام العام الديمقراطي، أو المس بصفة أساسية بحقوق الغير… ومنذ عهد قديم، أبدت حكمة الشعوب ملاحظة ذات قيمة سوسيولوجية لا نقاش فيها: ( ارتداؤك ثوب كاهن لا يصنع منك كاهنا). وهذا ما يدعونا إلى عدم الحكم على الناس من خلال المظهر: فأن تلبس إحداهن زيا يغطي سائر الجسم، سواء تعلق الأمر براهبة كرملية أو بمسلمة، فإن هذا لا يعني أن نختزلها فيما ترتديه وأن نذيب فرديتها في لباسها.[59]

ثم تحدث عن قانون 1905 باعتبارها قانونا يعكس روح العلمانية وفلسفتها وليست الثورة الفرنسية والتي وإن أعلنت مبادئ علمانية إلا أنها لم تفلح في كسر التواطؤ بين السياسة والدين. فقد باءت مختلف سياساتها الدينية بالفشل، بما في ذلك سياسة الفصل بين الدولة والكنائس.[60] كما اعتبر قانون 1905 قانونا مشهورا أكثر منه معروفا، لأنه قانون خضع لاحقا لعدة تعديلات، بحيث علينا التساؤل دوما حين نستعيده هل نتحدث عن هذا القانون في صيغته الأصلية، أم بعد ما طرأ عليه من تعديلات وكما يطبق اليوم.[61]

ومن الأمور المهمة التي يحسن تأملها ما أشار إليه من أن: هذا القانون يتعلق بالفصل بين الكنائس والدولة وليس الفصل بين الكنيسة والدولة كما يقول ذلك أو يكتبه بعض الصحافيين والشخصيات السياسية. وصيغة الجمع هنا أساسية، ذلك أن لفظ الكنيسة بصيغة المفرد ( ومعها أيضا عبارة كنيسة فرنسا، التي نجدها في بعض الكتابات، تفرد الكنيسة الكاثوليكية. إذ هناك، في أغلب الأحيان، ميل لدى الوعي الجمعي في اعتبار الكاثوليكية معيار المشروعية في المجال الديني.[62] وهذه لفتة عميقة تنبه إلى ضرورة الوعي بالتلاعب بالصياغة اللغوية للقوانين من أجل تأويها في الاتجاه الذي يريده من يضمر خلفية ما.

ثم تحدث عن (الغاليكانية[63]) والصراع بين الدولة والكنيسة الكاثوليكية، وقد شكل قانون 1905 قطيعة مع الغاليكانية التي من مظاهرها أن العقيدة الغاليكانية تعطي الحق للسياسي (الملك، أو برلمان النظام القديم في التدخل في شؤون الكنيسة الكاثوليكية في فرنسا. وأن هذا الحق يتضمن العلم على الحد من تدخل الكرسي الرسولي(Saint-Siege) في حياة الكاثوليكية الفرنسية، ويستكمل حق التدخل هذا بواجب حماية السلطة السياسية لهذه الكنيسة، حيث يتمتع رجال الدين بامتيازات معينة، وعلى السلطة السياسية قمع الهرطقة وكل احتجاج داخلي أو خارجي على السلطة الدينية.[64]

ثم تضمن الملحق أيضا الحديث عن قانون 1905م والأزياء الدينية، فارتداء الأزياء والرموز بطبيعة الحال، ليس إلزاميا من الناحية الاجتماعية، فهي تستعرض أمام العموم وتشكل عنصرا مهما في التنشئة الاجتماعية. وهي تمثل إلى جانب الغذاء نقطة مركزية لإدراك الاختلاف بين علمانية غاليكانية سلطوية، وعلمانية لييبرالية تفصل بين الدين والدولة، وعلمانية ليبيرالية تفصل بين الدين والدولة.[65] كذلك أشار إلى قانون 1905 المساواة والخروقات. حيث سوى القانون بين الاعتداءات على الحرية الدينية والاعتداءات على حرية عدم التدين.[66]

ورغم الاحتفاء الذي يبديه بقانون 1905 إلا أن ذلك لم يمنعه من تسجيل ملحوظة عليه تتعلق بكونه لا يحيط بجميع القضايا المرتبطة بالعلمانية، لذا، فهو لم يقل شيئا عن علمنة الأخلاق التي سبق أن تناولها قانون 1984م الذي أقر الحق في الطلاق. وبالتالي، فإنه يجب الحرص على عدم اختزال العلمانية في قانون 1905م. رغم أهميته الكبيرة. وقانون الإجهاض الإرادي الذي أقرته سيمون فايل( simone Veil ) في عام 1975م. هو قانون علماني بامتياز، وعلى العلمانية، اليوم في فرنسا أن تتطور في هذا المجال.[67]

ثم يشير إلى بعض الخروقات لقانون 1905 من طرف صناع القرار، من مثل احتفاظ السلطات الاستعمارية في الجزائر بسياسة غاليكانية، وذلك رغم المطالبات المتكررة لبعض الجزائريين بضرورة تطبيق قانون 1905م. وبعد نصف قرن من نهاية فترة الاستعمار، مارس البعض في فرنسا، نزعة غاليكانية واستعمارية جديدة إزاء مهاجري المستعمرات الفرنسية القديمة وإزاء أبنائهم.[68]

            منهجية الكتاب

اقتضت طبيعة الموضوع المطروق من الكاتب أن يتخفف قليلا من الصرامة الأكاديمية في مناقشة القضية، فالكتاب أشبه ما يكون بالمحاضرات، لأنك وأنت تقرأ تشعر وكأن المؤلف يتكلم، وهذا ما أعطى للكتاب بعدا آخر يساعد على الاستمرار في قراءته وعدم الشعور بالسآمة في متابعة تفاصيله. جاءت الفصول متراصة متكاملة بنيت بطريقة لولبية وليست خطية، فطالما كان يحيل على أمر سابق أو أمر لاحق، لأنه بصدد تحليل المعطيات لا سردها بشكل متتابع.

رغم أن الكتاب تضمن هوامش كثيرة إلا أنه يمكن أن نسجل بصددها ملحوظة وهي أنها جاءت مختصرة، فلم تف بالغرض المطلوب، من حيث التوضيح الذي يجعل القارئ يستوعب الفكرة، إذ يذكر أحيانا بعض المعطيات والأسماء والأحداث وكأن القارئ على علم بها. ولكن هذه الملحوظة يمكن الإجابة عنها بكون الكتابات البانية والنوعية تتيح للقارئ إحداث شبكة جديدة من المقروءات والاستمرارية في تقصي عناصر الموضوع، وتخلق الحافزية للمواصلة. ولا تخطئ عين القارئ الحصيف أن الكاتب له أطروحة ينافح عنها بمهارة واضحة، وقدرة على التحليل والتصرف في المعطيات والاستشكال المفضي إلى بناء الأفكار عوض تلقيها أو إلقائها جاهزة.

الكتاب غني بالمعطيات الموثقة بإحكام، وعند صاحبه كفاية ملموسة في استيعابها وحسن توظيفها، بحيث لا تخنق الفكرة، بل تجليها وتجعل القارئ ينخرط بسلاسة في مجريات الأحداث. والحال لم يخل الكتاب من بعض النظر المثالي إلى العلمانية التاريخية بوصفها نموذجا مكتملا. كما أن الجهاز المفاهيمي المستعمل غني بغنى الروافد والحقول المعرفية التي يمتح منها المؤلف، فأضفت على النص وضوحا وعمقا وتكاملا.

تقييم عام للكتاب

الكتاب يحتاجه المجتهد المبتدئ والمقتصد المنتهي، فطريقة تحرير الأفكار وبناء الرؤى والتصورات وتفكيك المقولات ثم إعادة تركيبها تتيح للقارئ تصحيح كثير من التمثلات، وتمكنه من الاطلاع على أساليب الإبداع في الكتابة وتحليل المضمون والمناقشة الهادئة التي تستوعب الآخر. وقد طرح المؤلف في الكتاب إشكالات عميقة حول الإعلام والعلمانية والديمقراطية وحقوق الإنسان وقضايا الهوية، لم يتناولها بشكل نظري تجريدي، وإنما من خلال تجسدها كوقائع عملية. اقتدر المؤلف إذن على إعادة التفكير في كثير من المسلمات والأفكار المتلقاة، فأحدث بشأنها رجات مهمة تساعد على تفكيكها ومناقشتها.

الكتاب يلتقي على أرضيته العلماني وغير العلماني، ولكن غير العلماني يفيد منه أكثر، لأنه يمكنه من نقد رصين لبعض المقولات السطحية العجلى الصادرة من بعض المتعصبين للعلمانية الجديدة بتعبير المؤلف. لم يكتف الكتاب بالنقد وإنما كان يقدم مقترحات عملية للمقاومة ويعطي البدائل لبناء ثقافة المناعة. ومن الأمور الطريفة في الكتاب أن المؤلف بدا وكأنه مجدد يسعى إلى إزالة الشوائب وترميم الاختلالات، وإحياء ما اندرس من مبادئ العلمناية وردها إلى أصولها المعتبرة.

على سبيل الختم:

نؤكد مرة أخرى الحاجة إلى مثل هذه الكتابات الرصينة التي تتيح تلاقحا فكريا مع رؤى ومقولات تشعر أنك تفيد منها ولو كنت تخالفها، يمكن الانطلاق منها لإجراء حوارات حقيقية مع الفاعلين في الحقلين الثقافي والإعلامي، وأيضا تجديد نمط التفكير ذي الطابع السكوني المتخشب عند الكثير من المثقفين، واطلالة على جدل آخر، دائر في الواقع الأوربي كما ورد في مقدمة الناشر.


[1]   العلمانية المزيفة، جون بوبيرو، ترجمة عبد الله المتوكل ، مركز نهوض للدراسات والنشر، ط1، بيروت، 2020م، ص 198.

[2]  ص 15.

[3]  ص 15.

[4]  ص 48.

[5]  ص 19.

[6]  ص 15.

[7]  ص 23.

[8]  ص 27.

[9]  ص 37.

[10]  ص 37.

[11]  ص 38.

[12]  ص 39.

[13]  ص 41.

[14]  ص 42

[15]  ص 46

[16]  حسن طارق، هل قتلتم علمانية؟ ضمن ( اللائكية العلمانية الفرنسية والإسلام ج 4، إشراف ممدوح الشيخ، سلسلة أرشيفات المركز المركز الدولي للدراسات والاستشارات والتوثيق، مداد، ص 41.

[17]  العلمانية المزيفة، ص 48.

[18]  ص 56.

[19]  ص 56.

[20]  ص 66.

[21]  ص 69.

[22]  ص 76.

[23]  ص 77.

[24]  ص 80.

[25]  ص 100.

[26]  ص  107.

[27]  ص 110.

[28]  ص 111.

[29]  ص 111.

[30]  ص 107.

[31]  ص 114.

[32]  ص 115-117.

[33]  ص 117.

[34]  ص 118.

[35]  ص 119.

[36]  ص 119.

[37]  ص 122.

[38]  ص 124.

[39]  ص 126.

[40]  ص 127,

[41]  ص 127.

[42]  ص 134.

[43]  ص 135.

[44]  ص 143.

[45]  ص 137.

[46]  ص 138.

[47]  ص 138.

[48]  ص 139.

[49]  ص 139.

[50]  ص 140.

[51]  ص 140.

[52]  ص 141.

[53]  ص 144.

[54]  ص 145.

[55]  ص 147.

[56]  ص 148.

[57]  ص 148.

[58]  ص 162

[59]  ص 165.

[60]  ص 169.

[61]  ص 171.

[62]  ص 171.

[63] الغاليكانية نوع من الوطنية الكاثوليكية الفرنسية بدأت بالملكية المطلقة، ونظّر له ( بوسيه) فهو المرجع اللاهوتي للغاليكانية. ..كان حق الملوك الإلهي في الحكم أداتيا في إخضاع الكنيسة، وفي انزياح القدسية إلى الدولة أصبحت أسرار الكنيسة أسرار الدولة، وحافظ حق الملوك الإلهي في الحكم على الدولة في الإطار المسيحي. فهذا لم يعف الملك من واجباته بصفته مسيحيا.  وعلى العكس، هذا الحق ( ومعه الكنيسة الغاليكانية) حمله واجبات أكثر، فالكاثوليكية أصبحت دين دولة فعلا. من ناحية أخرى تحمل البابوات الأمر في حالة فرنسا لأن همهم كان ألا تنشق فرنسا عن الكنيسة من طرف واحد كما فعل هنري الثامن من قبل. كانت هذه تجربة مرة للكنيسة، ولهاذا كانوا مستعدين لتقديم تنازلات للملوك لضمان بقائهم فيها، ولو شكليا. (الدين والعلمانية في سياق تاريخي عزمي بشارة، ج 2،  المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ، ط1، 2015م).

[64]  ص 173.

[65]  ص 180.

[66]  ص 184,

[67]  ص 185.

[68]  ص 186ز