صورة المغرب على المستوى الدولي: دلالات وتداعيات الانتخابات التشريعية

نُشرت هذه دراسة نشرت ضمن المؤلف الجماعي الذي أصدره مركز تكامل للدراسات والأبحاث سنة 2016 بعنوان: “تشريعيات 2016 بين إنعاش الآمال وتكريس الإحباطات: قراءة في النتائج والتداعيات

تقديم:

شهد المغرب في 7 أكتوبر 2016 ثاني انتخابات تشريعية وفق دستور 2011، حيث جرت العملية الانتخابية في سياق داخلي وخارجي متسم بمتغيرات متسارعة. على مستوى المتغيرات الخارجية عرف المشهد الإقليمي تحولات جيوسياسية نتج عنها واقع جديد وتحديات أمنية غير مسبوقة بالمنطقة العربية، والتي كان من أبرز سماتها الصراعات الطائفية، والتفجيرات الإرهابية، والمواجهات العسكرية، والتدخلات الأجنبية.

إلا أنه، ورغم الفروق الواقعية بين الدول العربية، فإن هناك يقينا يتبدى وهو أن الشعوب في كل مكان من العالم، ومنها العالم العربي هي بصدد أن تصبح فاعلا سياسيا حقيقيا. وهو ما يؤكد مقولة المفكر زبغنيو بريجنسكي “الآن، كل البشرية هم نشطاء سياسيون”(1)، والعالم العربي ليس بمعزل عن هذه الظاهرة العامة. غير أن نتائج الحراك السياسي اختلفت من دولة إلى أخرى حسب درجة نضوج تجربة الانتقال الديمقراطي بها.

أما على المستوى الداخلي، فقد تميزت ظروف إجراء الانتخابات التشريعية بسعي النظام السياسي المغربي إلى جعل انتخابات 7 أكتوبر محطة انتخابية ناجحة، وذلك من جهة أولى لاستمراره في تسويق ما يسمى “بالاستثناء المغربي” حتى تستمر الصورة التي رسمها أمام المنتظم الدولي بعد الحراك العربي باعتباره نموذج نجح في إسكات حراك 20 فبراير بشكل سلمي بإقرار دستور 2011، ومن جهة ثانية لتوفير أدلة مقنعة في مواجهة خصومه حول مشكل الصحراء المغربية الذي يعرف انعطافة وتحولات كبيرة ومتسارعة.

في ظل هذا السياق الداخلي، لابد من استحضار معطى أساسي تميز به الحقل السياسي المغربي إبان انتخابات 7 أكتوبر، والمتمثل في استمرار هيمنة المؤسسة الملكية على الحقل السياسي، رغم إقرار دستور 2011 بعض الصلاحيات لرئيس الحكومة، ودسترة المنهجية الديمقراطية التي بموجبها يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب الحاصل على أكبر كتلة نيابية، فإن الدستور لازال يحتفظ بصلاحيات واسعة للملك في الحكم، بدءا بقطاع الخارجية الذي يعد المجال “المحفوظ للملك”، و المجال الديني باعتباره مؤطرا بمؤسسة إمارة المؤمنين، مرورا بسلطة التعيين، وصولا للإشراف على المؤسسات الإستراتيجية بالبلاد، كما أن كل المشاريع الاقتصادية الهامة والكبرى تشرف عليها المؤسسة الملكية.

في هذا السياق، شهدت الساحة الحزبية المغربية إبان انتخابات 7 أكتوبر 2016، استمرار هيمنة القطبية الثنائية الحزبية بين حزب العدالة والتنمية ذو المرجعية الإسلامية من جهة، وبين حزب الأصالة والمعاصرة ذو المرجعية العلمانية المعلنة من جهة أخرى، مع أن الأحزاب المتبارية المختلفة شارفت على الأربعين حزبا قد راهنت في البداية على تأثيث حملاتها الانتخابية على أساس تبخيس حصيلة حكومة السيد عبد الإله بنكيران في ولايتها الأولى، إلا أنها سرعان ما تبرمت عن ذات الرهان عندما حولت الآلة الإعلامية الضخمة لحزب العدالة والتنمية بوصلة الصراع الجاري من حقل محاسبة الحصيلة الاقتصادية والاجتماعية، إلى فضاء المبارزة السياسية التي بناها الحزب على أساس ثيمات “التحكم” واستمرارية عرقلة مشروعه في الإصلاح من لدن أطراف لم يكن يسميها، لكنه كان يلمح إلها بالمباشر الذي لا يقبل التأويل.(1)

في ظل متغيرات داخلية وخارجية متسارعة ومعقدة، استطاع حزب العدالة والتنمية الفوز للمرة الثانية في ظل الإصلاحات التي أعقبت دستور 2011، وأن يتجاوز كافة التوقعات التي روجت لتراجعه قبل الانتخابات البرلمانية التي أجريت في السابع من أكتوبر المنصرم، ليحصد الحزب على 125 مقعدا ويحصل على المركز الأول. مكرسا ريادته في صدارة النتائج ب 18 مقعدا إضافيا مقارنة بالحصيلة التي حققها في الانتخابات التشريعية لسنة 2011 (2)، تأتي تلك النتيجة فيما يعاني تيار الإسلام السياسي حالة من التراجع السياسي والتنظيمي في العالم العربي. غير أن المغرب يعد من أهم النماذج التي عبرت عن إمكانية إتاحة الفرصة للإسلاميين للمشاركة في الحياة السياسية وإدماجهم فيها.

بعد ترقب مشحون بالتنبؤات والمراهنات، أفرزت صناديق الاقتراع المتعلقة بانتخاب مجلس النواب مجموعة من الحقائق التي تبقى في حاجة إلى تحليل لاستشراف تجلياتها المختلفة، اعتبارا لكون الانتخابات -خاصة التشريعية منها- تبقى هي المحدد لنوعية السلطة التنفيذية المقبلة، والتي لم تعد فقط محض لحظة وطنية، بل هي إشارة دولية يلتقطها المحيط الخارجي لتحديد درجة النضج الديمقراطي الذي وصلت إليه بلادنا، خاصة وأن للدولة بمقتضى الدستور، أدوارا ورهانات تروم تحقيقها من هذه الانتخابات ، أبرزها المحافظة على مسار ديمقراطي وإصلاحات منتظمة بدأت منذ العشرية الأخيرة من القرن الماضي. لذلك، فإن ثابت “الإصلاح ضمن الاستمرارية” يعد أساسيا في استراتيجية الدولة في علاقتها بالفاعلين السياسيين.

واستنادا إلى فرضية أن الانتخابات التشريعية ساهمت في تكريس الخيار الديمقراطي وتحسين صورة المغرب على المستوى الدولي. يمكننا طرح التساؤلات التالية؛

  • ماهي دلالات نتائج الانتخابات التشريعية 2016 على ضوء تصورات الهيئات الدولية؟
  • إلى أي حد عكست تصورات الدول والهيئات الأجنبية لنتائج لهذه الانتخابات نجاح الخيار الديمقراطي بالمغرب؟ وماهي تداعيات تعطيل التشكيل الحكومي على الخيارات الاستراتيجية للمغرب؟
  • وهل تمكن المغرب على ضوء نتائج الانتخابات من تكريس خيار الإصلاح في ظل الاستقرار على المستوى الدولي، خاصة في ظل تعثر التشكيل الحكومي؟

(1) زبغنيو بريجنسكي مفكر إستراتيجي ومستشار للأمن القومي الأمريكي السابق في إدارة جيمي كارتر.

Didier BILLION & Pascal BONIFACE : La géostratégie globale et la Méditerranée, Annuaire IEMed de la Méditerranée 2011, annuaire IEMed de la Méditerranée 2011, Op.cit, p 85-86.disponible au site web suivant :http://www.iemed.org/publicacions/historic-de-publicacions/anuari-de-la-mediterrania/sumaris/anuari-iemed-de-la-mediterrania-2011-fr?set_language=fr

(1) د. يحيى اليحياوي: حسابات ما بعد الانتخابات التشريعية في المغرب،مقال منشور بالموقع الالكتروني للجزيزة بتاريخ 9 أكتوبر 2016 يمكن الاطلاع عليه على الموقع الإلكتروني التالي:

http://www.aljazeera.net

(2) يمكن الاطلاع على المعطيات الخاصة بنتائج الانتخابات التشريعية ل 7 أكتوبر 2016 على الموقع الإلكتروني التالي:

http://www.elections.ma/elections/legislatives/resultats.aspx